فجّر اللقاء الذي عُقد في "​نيويورك​" أخيرًا بين وزير الخارجية ​جبران باسيل​ ونظيره السوري وليد المعلّم خلافًا سياسيًا قديمًا-جديدًا، بين مجموعة من القوى السياسيّة الرئيسة في ​لبنان​، بشأن العلاقات اللبنانيّة-السوريّة. فهل ستتواصل مُحاولات التطبيع على الرغم من الإعتراضات الداخليّة، وأين يُمكن أن يُؤدّي هذا الخلاف؟.

بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ "​حزب الله​"، وبالتنسيق مع "​حركة أمل​"، قرّر كسر المُقاطعة السياسيّة التي كانت قائمة بين لبنان وسوريا منذ سنوات، وإعادة تنشيط العلاقات على أكثر من مُستوى، حيث لن يقتصر الأمر على زيارات لوزراء في ​الحكومة اللبنانية​ إلى دمشق للبحث في أمور ثنائيّة مُرتبطة بوزاراتهم، وإنّما سيشمل الإعلان بشكل علني وواضح من الآن فصاعدًا عن الزيارات التي لم تنقطع أصلاً إلى العاصمة السوريّة، وعن الإتصالات واللقاءات التي تحصل بين الشخصيّات السياسيّة والإعلاميّة اللبنانيّة المحسوبة على قوى "8 آذار" من جهة، والمسؤولين السوريّين من جهة أخرى. ويعتبر "الثنائي الشيعي" أنّ الظرف مُناسب لإنهاء حال المُقاطعة بين الحُكم في لبنان والحُكم في سوريا، بعد التطوّرات المَيدانية على الساحة السوريّة والمنطقة ككل، وكذلك بعد التحوّلات السياسيّة على مُستوى موازين القوى الداخليّة في لبنان.

وقد تعزّز موقف "الثنائي الشيعي" أخيرًا، بفعل مُلاقاة "التيار الوطني الحُرّ" لهذا التوجّه الإنفتاحي على القيادة السوريّة، ولوّ من مُنطلقات وتوجّهات مُختلفة تمامًا. فالتيار الذي لم يبُادر إلى مجاراة الزيارات الوزارية إلى سوريا بسبب إفتقارها إلى الإجماع الحكومي، بحيث بقي وزير الإقتصاد والتجارة ​رائد خوري​ مُلتزمًا بقرار "النأي عن النفس" السابق، قرّرمن جهته–بحسب المعلومات المُتوفّرة، فتح قنوات التواصل مع النظام السوري، ليس لأهداف ولغايات سياسيّة كما هي الحال مع "الثنائي الشيعي"، وإنّما لهدف واحد ومُحدّد يتمثّل بمُعالجة مُشكلة النازحين السوريّين إلى لبنان. وفي هذا السياق، يرى "التيّار" أنّه عشيّة الحلول الكبرى لمنطقة ​الشرق الأوسط​ ككل، ولسوريا بالتحديد، من الضروري عدم التأخر أكثر في تحريك ملفّ النازحين السوريّين، حتى لا يدفع لبنان ثمن التسويات في المنطقة والتي يُمكن أن تأتي على حسابه في حال أصرّ على عزل نفسه. وليس سرًّا أنّ رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، ورئيس "التيار الوطني الحُرّ" وزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل، يضعان هذا الملف في طليعة الملفّات التي يبحثونها مع المسؤولين الغربيّين خلال لقاءاتهم الرسميّة في لبنان وخارجه. ومن هذا المُنطلق، يعتبر "التيار" أنّ اللقاء الأخير بين كل من الوزيرين باسيل والمعلّم، يدخل في سياق التنسيق الطبيعي مع المسؤولين السوريّين، بهدف إيجاد الحلّ المناسب لقضيّة النازحين-ولوّ على مراحل، حيث يُنتظر أن يليه إتصالات أخرى مع المسؤولين السوريّين في إطار الهدف الكبير نفسه.

في المُقابل، سارع "تيّار المُستقبل" على لسان وزير الداخليّة ​نهاد المشنوق​، وحزب "القوات اللبنانيّة" على لسان وزير الإعلام ​ملحم الرياشي​، إلى التحرّك إعتراضًا على هذا التحوّل السياسي، لأنّه يُخالف برأيهما ما جرى التوافق عليه عند حُصول ​التسوية الرئاسية​ وتشكيل الحُكومة الحالية، لجهة الإستمرار ب​سياسة النأي بالنفس​، وعدم التواصل مع أيّ من المسؤولين السوريّين الرسميّين، حتى لا يُفسّر هذا التواصل بأنّه إنحياز إلى جانب النظام السوري في صراعه الداخلي والإقليمي. وإضافة إلى رفض سياسة الإنفتاح على النظام السوري من مُنطلقات سياسيّة، أبدى "تيّار المُستقبل" إعتراضه الشديد على تجاوز صلاحيّات رئيس السُلطة التنفيذيّة سعد الحريري، من خلال تفرّد وزير الخارجيّة بتصرّفات لم تنل "​الضوء​ الأخضر" من رئيس الحكومة. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ "المُستقبل" و"القوّات" توافقا على مُواجهة قرار تطبيع العلاقات مع النظام السوري بالمُطلق، وبغضّ النظر عن التبريرات المُقدّمة، إنطلاقًا من موقفهما المُتضامن مع مُختلف الدول والقوى المُقاطعة للحُكم السوري في إنتظار ما سيؤول إليه الحل النهائي للأزمة السوريّة، وإقتناعًا منهما بأنّ أي تواصل مع المسؤولين السوريّين لن يُغيّر حرفًا في مسألة النازحين، حيث أنّ حلّ هذا الملفّ الشائك يمرّ باتفاقات إقليميّة ودَوليّة وليس بلقاء مع هذا المسؤول السوري أو ذاك.

وفي ظلّ هذا التضارب الكبير في المواقف، من المُرجّح أنّ تتصاعد المُواجهة بشأن ملف التواصل مع المسؤوليين السوريّين في المُستقبل القريب، وتحديدًا بعد الإنتهاء من ملف ​سلسلة الرتب والرواتب​ و​الضرائب​ والذي يتصدّر الإهتمام في المرحلة الحالية. والمُواجهة مُرشّحة للتحوّل إلى كباش سياسي، بسبب وُجود إصرار من قبل قوى "8 آذار" على تطبيع العلاقات مع سوريا بشكل كامل، وإصرار "التيار الوطني الحُرّ" على كسر المُقاطعة معها لصالح ملف النازحين، في مُقابل رفض كل من "المُستقبل" و"القوّات" لهذا الأمر. ومن غير المُستبعد أن يتسبّب هذا الصراع بعودة عمليّة شدّ الحبال بين القوى السياسيّة اللبنانيّة المُختلفة، مع ما قد يُسفر عنه هذا الأمر من شلل على مُستوى السُلطة السياسيّة ككل.